فصل: فصل: (إن أوجبتم له الإلهية بقول حبقوق):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.فصل: (إن قلتم أوجبنا له الإلهية من قول أشعيا):

وإن قلتم أوجبنا له الإلهية من قول أشعيا: من أعجب الأعاجيب إن رب الملائكة سيولد من البشر قيل لكم هذا مع أنه يحتاج إلى صحة هذا الكلام عن أشعيا وأنه لم يحرف بالنقل من ترجمة إلى ترجمة وأنه كلام منقطع عما قبله وبعده ببينة، فهو دليل على أنه مخلوق مصنوع، وأنه ابن البشر مولود منه؛ لا من الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؟!.

.فصل: (إن قلتم جعلناه إلها من قول متى):

وإن قلتم جعلناه إلها من قول متى في إنجيله: إن ابن الإنسان يرسل ملائكته ويجمعون كل الملوك فيلقونهم في أتون النار قيل هذا كالذي قبله سواء، ولم يرد أن المسيح هو رب الأرباب ولا أنه خالق الملائكة، وحاش لله أن يطلق عليه أنه رب الملائكة بل هذا من أقبح الكذب والافتراء؛ بل رب الملائكة أوصى الملائكة بحفظ المسيح وتأييده ونصره بشهادة لوقا النبي القائل عندهم: إن الله يوصي ملائكته بك ليحفظوك ثم بشهادة لوقا: إن الله أرسل له ملكا من السماء ليقويه هذا الذي نطقت به الكتب، فحرف الكذابون على الله وعلى مسيحه ذلك، ونسبوا إلى الأنبياء أنهم قالوا هو رب الملائكة. وإذا شهد الإنجيل واتفاق الأنبياء والرسل إن الله يوصي ملائكته بالمسيح ليحفظوه علم أن الملائكة والمسيح عبيد الله منفذون لأمره ليسوا أربابا ولا آلهة، وقال المسيح لتلامذته: من قبلكم فقد قبلني، ومن قبلني فقد قبل من أرسلني وقال المسيح لتلامذته أيضا من أنكرني قدام الناس أنكرته قدام ملائكة الله وقال للذي ضرب عبد رئيس الكهنة أغمد سيفك ولا تظن أني أستطيع أن أدعو إله الأب فيقيم لي أكثر من اثني عشر من الملائكة فهل يقول هذا من هو رب الملائكة وإلههم وخالقهم؟؟.
وإن أوجبتم له الإلهية بما نقلتموه عن أشعيا تخرج عصا من بيت نبي، وينبت منها نور، ويحل فيه روح القدس، روح الله، روح الكلمة والفهم، روح الحيل والقوة، روح العلم وخوف الله، وبه يؤمنون وعليه يتوكلون، ويكون لهم التاج والكرامة إلى دهر الداهرين.. قيل لكم هذا الكلام بعد المطالبة بصحة نقله عن أشعيا وصحة الترجمة له باللسان العربي وأنه لم يحرفه المترجم هو حجة على المثلثة عباد الصليب لا لهم؛ فإنه لا يدل على أن المسيح خالق السموات والأرض؛ بل يدل على مثل ما دل عليه القرآن، وأن المسيح أيد بروح القدس؛ فإنه قال: ويحل فيه روح القدس روح الله، روح الكلمة والفهم، روح الحيل والقوة، روح العلم وخوف الله، ولم يقل تحل فيه حياة الله فضلا عن أن يحل الله فيه ويتحد به ويتخذ حجابا من ناسوته، وهذه روح تكون مع الأنبياء والصديقين، وعندهم في التوراة إن الذين كانوا يعملون في قبة الزمان حلت فيهم روح الحكمة وروح الفهم والعلم هي ما يحصل به الهدى والنصر والتأييد، وقوله: هي روح الله لا تدل على أنها صفة فضلا عن أن يكون هو الله وجبريل يسمى روح الله، والمسيح اسمه روح الله.
والمضاف إذا كان ذاتا قائمة بنفسها فهو إضافة مملوك إلى مالك كبيت الله وناقة الله وروح الله؛ ليس المراد به بيت يسكنه، ولا ناقة يركبها، ولا روح قائمة به، وقد قال تعالى: {أُولئِكَ كَتبَ في قُلوبِهِم الإِيمان وَأَيَدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ} وقال تعالى: {وَكَذِلِكَ أَوحينا إِليكَ رُوحاً مِن أَمرِنا} فهذه الروح أيد بها عباده المؤمنين. وأما قوله: وبه يؤمنون وعليه يتوكلون فهو عائد إلى الله لا إلى العصا التي تبت من بيت النبوة، وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في قوله: {قُل هُوَ الرَحمنُ آَمَنّا بِهِ وَعَلَيهِ تَوكَلنا} وقال موسى لقومه: {يا قَومُ إِن كُنتُم باللَهِ فَعَلَيهِ تَوَكَلوا إِن كُنتُم مُسلِمين} وهو كثير في القرآن، وقد أخبر أنه أيده بروح العلم وخوف الله، فجمع بين العلم والخشية وهما الأصلان اللذان جمع القرآن بينهما في قوله تعالى: {إِنّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماء} وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية وهذا شأن العبد المحض. وأما الإله الحق ورب العالمين فلا يلحقه خوف ولا خشية ولا يعبد غيره، والمسيح كان قائما بأوراد العبادات لله أتم القيام.

.فصل: (إن أوجبتم له الإلهية بقول أشعيا):

وإن أوجبتم له الإلهية بقول أشعيا: إن غلاما ولد لنا، وأننا أعطيناه كذا وكذا ورياسته على عاتقيه وبين منكبيه، ويدعي اسمه ملكا عظيما عجيبا إلها قويا مسلطا رئيسا، قوي السلامة في كل الدهور وسلطانه كامل ليس له فناء قيل لكم ليس في هذه البشارة ما يدل على أن المراد بها المسيح بوجه من الوجوه، ولو كان المراد بها المسيح لم يدل على مطلوبهم أما المقام الأول فدلالتها على محمد بن عبد الله أظهر من دلالتها على المسيح، فإنه هو الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه من جهتين: من جهة أن خاتم النبوة علا نغض كتفيه، وهو من أعلام النبوة التي أخبرت به الأنبياء، وعلامة ختم ديوانهم، ولذلك كان في ظهوره ومن جهة أنه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه إذا ضرب به على عاتقه، ويدل عليه قوله: رئيس مسلط قوي السلامة وهذه ضفة محمد صلى الله عليه وسلم المؤيد المنصور رئيس السلامة، فإن دينه الإسلام، ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة ومن استيلاء عدوه عليه، والمسيح لم يسلط على أعدائه كما سلط محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل كان أعداؤه مسلطين عليه قاهرين له حتى عملوا به ما عملوا عند المثلثة عباد الصليب. فأين مطابقة هذه الصفات للمسيح بوجه من الوجوه؟؟ وهي مطابقة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كل وجه، وهو الذي سلطانه كامل ليس له فناء إلى آخر الدهور. فإن قيل: إنكم لا تدعون محمدا إلها بل هو عندكم عبد محض؟ قيل: نعم والله إنه لكذلك عبد محض لله، والعبودية أجل مراتبه، واسم الإله من جهة التراجم جاء، والمراد به السيد المطاع لا الإله المعبود الخالق الرازق.

.فصل: (إن أوجبتم له الإلهية من قول أشعيا):

وإن أوجبتم له الإلهية من قول أشعيا فيما زعمتم: ها هي العذراء تحبل وتلدا ابنا يدعى اسمه عمانويل وعمانويل كلمة عبرانية تفسير بالعربية إلهنا معنا فقد شهد له النبي إنه إله. قيل لكم بعد ثبوت هذا الكلام وتفسيره لا يدل على أن العذراء ولدت رب العالمين وخالق السموات والأرضين؛ فإنه قال تلد ابنا وهذا دليل على انه ابن من جملة البنين ليس هو رب العالمين. وقوله ويدعى اسمه عمانويل فإنما يدل على أنه يسمى بهذا الاسم كما يسمى الناس أبناءهم بأنواع من الصفات والأسماء والأفعال والجمل المركبة من اسمين أو اسم وفعل، وكثير من أهل الكتاب يسمون أولادهم عمانويل. ومن علمائكم من يقول المراد بالعذراء ههنا غير مريم، ويذكر في ذلك قصة، ويدل على هذا أن المسيح لا يعرف اسمه عمانويل وإن كان ذلك اسمه فكونه يسمى إلهنا معنا أو بالله حسبي أو الله وحده ونحو ذلك، وقد حرف بعض المثلثة عباد الصليب هذه الكلمة وقال معنا الله معنا ورد عليهم بعض من أنصف من علمائهم وحكم رشده على هواه وهذه الله للحق وبصره منعماه وقال: أهذا هو القائل: أنا الرب، ولا إله غيري، وأنا أحيي وأميتي وأخلق وأرزق؟ أم هو القائل لله إنك أنت الإله الحق وحدك الذي أرسلت اليسوع المسيح؟ قال: والأول باطل قطعا، والثاني هو الذي شهد به الإنجيل، ويجب تصديق الإنجيل وتكذيب من زعم أن المسيح إله معبود. قال وليس المسيح مخصوصا بهذا الاسم فإن عمانويل اسم تسمى به النصارى واليهود أولادهما، قال: وهذا موجود في عصرنا هذا، ومعنى هذه التسمية بينهم شريف القدر. قال وكذلك السريان يسمون أولادهم عمانويل والمسلمون وغيرهم يقولون للرجل: الله معك. فإذا سمى الرجل بقوله الله معك كان هذا تبركا بمعنى هذا الاسم.

.فصل: (إن أوجبتم له الإلهية بقول حبقوق):

وإن أوجبتم له الإلهية بقول حبقوق فيما حكيتموه عنه إن الله في الأرض يتراءى ويختلط مع الناس ويمشي معهم ويقول أرميا أيضا بعد هذا الله يظهر في الأرض وينقلب مع البشر قيل لكم هذا بعد احتياجه إلى ثبوت نبوة هذين الشخصين أولا وإلى ثبوت هذا النقل عنهما، وإلى مطابقة الترجمة من غير تحريف- وهذه ثلاث مقامات يعز عليكم إثباتها- لا يدل على أن المسيح هو خالق السموات والأرض، وإنه إله حق ليس بمخلوق ولا مصنوع، ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وأبلغ ولم يدل على أن موسى بمخلوق ولا مصنوع، ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وابلغ ولم يدل ذلك على أن موسى بمخلوق ولا مصنوع، ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وأبلغ ولم يدل ذلك على أن موسى إله ولا أنه خارج عن جملة العبيد؟ وقوله يتراءى مثل تجلى وظهر واستعلن ونحو ذلك من ألفاظ التوراة وغيرها من الكتب الإلهية، وقد ذكر في التوراة إن الله تجلى وتراءى لإبراهيم وغيره من الأنبياء ولم يدل ذلك على الإلهية لأحد منه، ولم يزل في عرف الناس ومخاطبتهم أن يقولوا فلان معنا وهو بين أظهرنا ولم يمت. إذا كان عمله وسنته وسيرته ومخاطبتهم أن يقولوا فلان معنا وهو بين أظهرنا ولم يمت. إذا كان عمله وسنته وسيرته بينهم ووصاياه يعمل بها بينهم، وكذلك يقول القائل لمن مات والده: ما مات من خلف مثلك، وأنا والدك. وإذا رأوا تلميذا لعالم تعلم علمه قالوا: هذا فلان باسم أستاذه، كما كان يقال عن عكرمة هذا ابن عباس، وعن أبي حامد: هذا الشافعي. وإذا بعث الملك نائبا يقوم مقامه في بلد يقول الناس جاء الملك، وحكم الملك، ورسم الملك. وفي الحديث الصحيح الإلهي يقول الله عز وجل يوم القيامة: «عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟؟ قال: أما أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده، عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين، قال أما علمت أن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه، أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. عبدي استسقيتك فلم تسقني، فيقول رب كيف أسقيك لوجدت ذلك عندي» وأبلغ من هذا قوله تعالى: {إنّ الَّذين يُبايعونَكَ إِنما يُبايعونَ الله يَدُ اللَهِ فَوقَ أيديهِم} ومن هذا قوله تعالى: {مَن يُطِع الرَسولَ فَقَد أَطاعَ اللَهِ} فلو استحل المسلمون ما استحللتم لكان استدلالهم بذلك على أن محمدا إله من جنس استدلالكم لا فرق بينهما؟.

.فصل: (إن أوجبتم له الإلهية بقوله في السفر الثالث من أسفار الملوك):

وإن أوجبتم له الإلهية بقوله في السفر الثالث من أسفار الملوك: والآن يا رب إله إسرائيل يتحقق كلامك لداود لأنه حق أن يكون إنه سيسكن الله مع الناس على الأرض، اسمعوا أيتها الشعوب كلكم، ولتنصت الأرض وكل من فيها، فيكون الرب عليها شاهدا، ويخرج من موضعه، وينزل، ويطأ على مشارق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب قيل لكم هذا السفر يحتاج أولا إلى أن يثبت إن الذي تكلم به نبي، وإن هذا لفظه، وإن الترجمة مطابقة له وليس ذلك بمعلوم. وبعد ذلك فالقول في هذا الكلام كالقول في نظائره مما ذكرتموه وما لم تذكروه، وليس في هذا الكلام ما يدل على أن المسيح خالق السموات والأرض، وأنه إله حق غير مصنوع ولا مخلوق، فإن قوله: إن الله سيسكن مع الناس في الأرض هو مثل كونه معهم، وإذا صار في الأرض نوره وهداه ودينه ونبيه كانت هذه سكانه لا أنه بذاته المقدسة نزل عن عرشه وسكن مع أهل الأرض، ولو قدر تقدير المحالات إن ذلك واقع لم يلزم أن يكون هو المسيح، فقد سكن الرسل والأنبياء قبله وبعده، فما الموجب لأن يكون المسيح هو الإله دون إخوانه من المرسلين؟؟ أترى ذلك للقوة والسلطان الذي كان له وهو في الأرض، وقد قلتم أنه قبض عيه وفعل به ما فعل من غاية الإهانة والإذلال والقهر، فهذا ثمرة سكانه في الأرض مع خلقه فإن قلتم سكناه وفي الأرض هو ظهوره في ناسوت المسيح قيل لكم أما الظهور الممكن المعقول وهو ظهور محبته ومعرفته ودينه كلامه فهذا لا فرق فيه بين ناسوت المسيح وناسوت سائر الأنبياء والمرسلين، وليس في اللفظ على هذا التقدير ما يدل على اختصاصه بناسوت المسيح، وأما الظهور المستحيل الذي تأباه العقول والفطر والشرائع وجميع النبوات وهو ظهور ذات الرب في ناسوت مخلوق من مخلوقاته واتحاده به وامتزاجه واختلاطه فهذا محال عقلا وشرعا، فلا يمكن أن تنطق به نبوة أصلا، بل جميع النبوات من أولها إلى آخرها متفقة على أصول.